بداية أحب أن ابين أن ما سطرته وجهة نظر شخصية قد يوافقني عليها البعض و قد يختلف معي آخرون و لكن المهم أن الخلاف في وجهات النظر لا يخلف للود قضية.
شاعر المعنى برنامج كنا نتطلع إليه كبديل لشاعر المليون الذي وقعت لجانه المنظمة في فخاخ التعصب السياسي والقبلي و النهم و الجشع المادي مما نحى به إلى المنحى الذي رأيتموه جميعا فانتفت عنه صفات الإنصاف والمنهاج العلمي والنقد المحايد ، و فقد مصداقيته كمعيار و مقياس للشاعرية بتبني آلية التصويت التي كان محركها الرئيس الولاء القبلي المتعصب لا غير ومبعثها النهم المادي الممقوت.
المحزن أن شاعر المعنى بدأ بداية لا تبشر بخير و خاصة تلك المقابلات التمهيدية التي مر خلالها حوالي 3000 شاعر من مختلف الأطياف ومن مختلف المشارب . كانت المقابلات شبه عفوية و لم يكن هنالك آلية واضحة للإختيار ، فحينا يراد سماع صوت الشاعر و كيفية أدائه للأبيات – ومن وجهة نظري فالصوت عنصر ثانوي لا سيما و أن هذه مسابقة شاعر المعنى و كثير من أعلام شعر الرد لم يكونوا ذوي صوت حسن- ، وحينا يطلب من الشاعر ذكر بيت له مع شاعر آخر و قد يكون هذا البيت بيتا ترحيبيا تقليديا تبدأ به المحاورة و لا يمكن أن ينبيء عن شاعرية الشاعر ولا عن عمق معانيه ، وحينا يطلب منه بيتا مشهورا لا غير، و حينا يطلب من الشاعر أن يأخذ ورقة فيها بيت شعري ويطلب منه تلحينه أو الرد عليه، و حينا ترى اللجنة أن الشاعر يجاز لسابق معرفة أو مجاملة لشخص ما ، و أحيان أخرى غير ذلك. و أقل ما يقال عن هكذا آلية أنها غير منصفة أبدا فلا بد أن يكن المعيار الإختياري واحدا يسري على المعروف والمغمور فهذا أقل ما يفعل للتأكيد على المصداقية والنزاهة.
أمر آخر أحزنني أن مسمى المسابقة يشدد على المعنى و لكن ما رأيناه من خلال ما بثته قناة الساحة كان أقرب إلى أن يكون المسمى " شاعر المغنى" ، فالعبارة السائدة من أعضاء اللجنة "غن البيت" ، نبي " نسمع صوتك" !!!!
كنا نتوقع آلية اختيار تركز على قدرة الشاعر على الفتل و النقض و تبين عمق معانيه ولكن يبدو أن لجنة شاعر المعنى لديها معايير أخرى و أجندة مخفية!!!
وحينما ظهرت قائمة الثمانية والأربعين ازددت احباطا ، فلو مررنا عليها مرور الكرام لرأينا النزعة القبلية الحادة التي أثرت سلبا على اختيار ثمانية و أربعين مرشح ، فقد حصل شعراء عتيبة على سبعة مقاعد بنسبة 15 % – ورغم أن شعراء عتيبة كثيرون أصلا في ساحة المحاورة فإن الأولى أن يكون هنالك توازن سيما وأن كثيرا من المترشحين ليسوا معروفين بشكل كبير في ساحة شعر الرد وفي قبيلة عتيبة كثير من الشعراء ممن يبزونهم مستوى و عمق معنى لم نر لهم حضورا و لكن ربما كان لأبي جميل رأي آخر- و تلت عتيبة في عدد المقاعد قبيلة قحطان بنسبة 10 % و هنا لا نحتاج لكثير عناء لنستنتج تأثير إدارة القناة ممثلة بالشاعر الكبير ناصر القحطاني، و تلت هاتين القبيلتين قبائل كانت ديارها ولا زالت منبع شعر القلطة و معروف أنهم هم أهل المعنى و هي على التوالي : حرب ، جهينة ، سليم ، هذيل ، مطير ،بنسب متواضعة لا تعكس بتاتا ذلك الكم الكبير من شعراء الرد المنتسبين إليها.
و كذلك ظهرت لنا أسماء شعراء من قبائل هي أبعد ما تكون عن شعر الرد ولم يعرف لها شعراءفي مجال شعر الرد و أترك لكم التعرف عليها بأنفسكم. وأنا لست ضد ضخ دماء جديدة إلى ساحة شعر الرد و اكسابه جماهيرية واسعة في المناطق الأخرى ولكن يجب أن يكون هنالك نسبة وتناسب تعكس الواقع فلا يعقل أن تكون النسبة الغالبة من المتأهلين من مناطق لم يعرف عنها الاعتناء بشعر الرد و يفتقد شعر الرد الجماهيرية الدنيا في مناطقها..
و هنا أورد لكم تمثيلا بيانيا للشعراء المتأهلين حسب انتمائهم القبلي.:
بالمجمل فإن هذه القائمة أجحفت بأهل شعر الرد و أهل المعنى من أهل الحجاز الكبير والذي هو منبع شعر الرد و لأهله ونقاده القدح المعلى في هذا المجال ولا ينكر هذا إلا من ليس له في شعر الرد ناقة ولا جمل. فالشاعر الذي لا يعترف به أهل الحجاز في شعر الرد لا يكتب له النجاح و يسقط من الحسبان ، فهم أهل هذا الفن و هم ربابنته و أهل الدراية به. و كذلك أجحفت بحق جمهور شعر الرد الحجازي والذي لا طعم لشعر الرد ولا لون له بدون تواجده..
و بالمختصر المفيد فإن لجنة و إدارة المسابقة وقعت في وحل العصبية القبلية للاسف!!!!
أما اختيار أبها – رغم حبي لها وكونها مصيفا جميلا و ما تتميز به من أجواء شاعرية خلابة- فهو اختيار غير موفق ، بل كان الأولى أن تقام مثل هذه المسابقة في إحدى مدن الحجاز الكبير سواء مكة أو المدينة أو جدة أو الطائف فهذه المدن هي التي أنجبت جهابذة و مخضرمي شعر الرد و أهل الحجاز هم أهل الولع الكبير بشعر الرد و هم أهل المعنى و هم أهل النقد في شعر الرد ، و يعود ذلك لأنهم من ابتدع شعر الرد و هم من أسس قواعده وهم أهل الخبرة في الفتل و النقض بشهادة كبار شعراء الرد و منهم لجنة برنامج شاعر المعنى. و مهما قدم من اعذار لاختيار أبها مدينة تحتضن "شاعر المعنى" فإن هذا الاختيار جانب التوفيق و هو كأن تختار مدينة عنيزة مثلا لمسابقة نسميها " شاعر العرضة الجنوبية " !!!!
أمر آخر يؤخذ على البرنامج أنه أهمل الأقلام النقدية البارزة في الصحافة الشعبية والتي كان لها دور كبير في متابعة شعر الرد و تتبع أخبار شعرائه و نقدهم و حفزهم على الرقي في المعنى و تتبعها الدقيق لصور الإبداع فتلا ونقضا و من هؤلاء الكتاب أذكر الأستاذ عبدالله الفارسي مؤسس أول صفحة تعنى بشعر المحاورة على مستوى الخليج.
و هنا أشدد على أن هذا الرأي و إن كان شخصيا فهنالك كثير ممن يوافقني الرأي ، و لا أحب أن يفهم كلامي أنه تحيز ضد قناة الساحة أو ضد الجنوب و أهلهافالذين يعرفونني يعرفون أنني أبعد ما أكون عن التحيز ضد جهة او منطقة معينة ولا أكن للجميع إلا كل مودة ومحبة و لكني كتبت ما كتبت دفاعا عن حق مشروع للحجاز و شعرائه وجمهوره و نقاده في أن يكون لهم دور في هذه المسابقة - بحكم أنهم أهل المعنى في شعر الرد أصلا – يعكس فضلهم و لا ينكره و هذا من أبسط الحقوق التي يحق لكل منصف أن يتكلم عنها بحرية مطلقة!!!
و ختاما أتمنى على إدارة المسابقة تلافي هذه المنغصات و السلبيات في تصفيات هذه المسابقة و أن يصحح الوضع حتى لا يزداد الوضع سوءاً و حتى لا تفقد المسابقة الرونق و المكانة التي كنا نتمنى أنه عكست روح الإنصاف والشفافية و البعد عن التحيز.
شاعر المعنى أم شاعر المغنى - وجهة نظر
